التفكير بالدولة: السياسة والسياسة الشرعية في المجال الإسلامي


رضوان السيد

برز مصطلح “السياسة” في الحياة الإسلامية - بمعنى فنون وأساليب إدارة المدينة والدولة – في منتصف القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، في أيام الفلاسفة الإسلاميين؛ كالكندي، والفارابي – وهو أكثرهم عناية بالمصطلح - مروراً بابن سينا، وابن رشد، إضافة إلى جماعة إخوان الصفا في منتصف القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي. هذا عن الفلاسفة؛ أما الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة؛ فإن رؤيتهم لمفهوم «السياسة » تنازعتها عوامل متعددة اختلفت باختلاف نظرتهم إلى الأمور. ولعل الأمر مرده إلى اختلاف أصولهم للاستنباط والاجتهاد؛ ما حدا ببعضهم إلى وضع مصطلح «السياسة الشرعية»، وقوامه: ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحيٌ. وهو ما انتهى إلى اعتبار السياسة سبيلاً إلى تحقيق العدالة؛ حتى لو لم تستند إلى نصٍّ قرآني، أو نبوي، أو حكم فقهي. وإنما العبرة بالمقاصد والغايات والمآلات؛ بحيث يؤدي ذلك التصرف السياسي إلى صلاح حال الناس وإبعادهم عن الفساد. وتستطرد الدراسة في عرض تطور مصطلح «السياسة » في الدولة الإسلامية لدى عدد من الفقهاء، على مرِّ التاريخ - على اختلاف مذاهبهم - كأبي المعالي الجويني، وابن عقيل الحنبلي، والماوردي، وأبي يعلى الحنبلي، والشاطبي، والطرطوشي، والقرافي، والطرسوسي، وابن قيم الجوزية، وابن تيمية، وغيرهم، وصولاً إلى زمننا الحاضر. ثم يختم الكاتب دراسته بإبداء جملة من الملاحظات الجوهرية على ممارسة المصطلح في الأزمنة الحديثة، وما يكتنف هذه الممارسة من عوار في الفهم والتطبيق؛ بفعل تذبذبها بين مرجعية الشريعة ومرجعية القانون، وما يحتاج إليه الأمر من تجديد أو تقنين، إضافة إلى وجود بعض المشكلات في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، مثل: وجود غير المسلمين في نسيج هذه المجتمعات، وما يقتضيه ذلك من تأسيس المواطنة في الدولة الحديثة على مبدأ المساواة، كما يرى بعض القانونيين.