المغرب العربي: تعثُّر الانتقال الديمقراطي وصعوبات اقتصادية حصيلة 2016 و 2017 م


د. محمد السبيطلي

تواجه أقطارُ المغرب العربي صعوباتٍ اقتصاديةً اختلفت أصولها ومظاهرها وحِدَّتُها من قطر إلى آخر. وقد تزامن ذلك مع أوضاع سياسية واجتماعية متباينة؛ وذلك بفعل عقود من السياسات والتحديات الداخلية والإقليمية التي انعكست على بنى النظام السياسي والاقتصادي لهذه الأقطار.

وهذه الصعوبات الاقتصادية تربك الانتقال الديمقراطي الذي تشهده منطقة شمال أفريقيا عموماً، والمغرب العربي على وجه الخصوص. وقد انطلق مسار التحول الديمقراطي في بعض هذه البلدان مع اندلاع الثورات العربية سنة 2011 م، لكنه في بعضها الآخر يُعد استمراراً لتحولات عميقة على طريق الديمقراطية منذ ما قبل ذلك. ومع ما اعترى الأوضاع السياسية في مختلف دول المغرب العربي سنة 2016 م ومطلع 2017 م من إرباكات، تمثلت بعض صورها في شكل انعدام استقرار حكومي (خاصة تونس والجزائر، والمغرب إلى حد ما)، إلا أنها في النهاية اتسمت بنوع من الاستمرارية التي تؤكد بصورة أو بأخرى استقرارًا سياسيًّا عامًّا. وهو أمر ينطبق على أغلب بلدان المغرب العربي باستثناء الوضع الليبي؛ الذي ظل في حالة جمود ومأزق سياسي متمثل
في تقاسم السلطة من قِبل ثلاث حكومات متعارضة بعضها مع بعض، ومتنازعة على الشرعية.

إن هذا الاستقرار العام لم يخلُ من وجود احتجاجات اجتماعية في معظم البلدان المعنية بهذا التقرير، وخاصة في كل من تونس والجزائر؛ وذلك بسبب استمرار تراجُع موارد الدولة؛ بسبب انخفاض أسعار المحروقات في الأسواق الدولية (بالنسبة إلى الجزائر)، وبسبب تراكم المشكلات الاقتصادية العامة منذ أحداث الثورة (بالنسبة إلى تونس وليبيا). أما المغرب فأحداث «الحسيمة» تبيِّن معاناة المناطق الداخلية من التهميش والإهمال المتراكم، التي ما انفكت تفجر الاضطرابات في معظم أقطار المغرب، وهو أمر يذكِّر بسيدي بوزيد في تونس، أو منطقة القبائل في الجزائر.

ولعل العمليات الإرهابية التي تحدث بين حين وآخر تُعد من أسباب الصعوبات الاقتصادية في بعض أقطار المغرب (تونس...)، وتُعد تلك العمليات من العوامل غير المباشرة التي تسبب مزيدًا من المتاعب الاقتصادية. وتجدر الإشارة إلى أنه قد تراجعت ظاهرة الإرهاب في المغرب العربي، بما في ذلك ليبيا، وإن استمر الوضع في هذا القطر الأخير الذي يتسم بعدم الاستقرار السياسي والأمني؛ فقد حُررت المدن التي سيطر عليها داعش، إلا أن إعادة انتشار مقاتليه في صحراء ليبيا، واستهدافها لبعض المناطق والبلدات هنا وهناك تنبئ بأن خطرها لا يزال قائماً. وتبقى موريتانيا أكثر الأقطار التي تبدو أنها نجت إلى حد ما -في السنوات الأخيرة- من ظاهرة الإرهاب. كما أن الحرب الاستباقية التي تقوم بها قوى الأمن المغربي حققت نتائج إيجابية، وهو ما جعلها منطقة مستعصية على مخططات الجماعات المتطرِّفة. وفي الجزائر؛ نجحت قوى الجيش في الحد من العمليات التي كانت تستهدِف البلاد، وبدت الجزائر من أكثر الأقطار خبرةً في مجال مكافحة الإرهاب.

ويحاول كُتّاب هذا التقرير -من موريتانيا والمغرب وتونس- استعراض أوضاع أقطار المغرب العربي السياسية والاقتصادية والأمنية. وكان مركز الملك فيصل قد نشر مؤخراً دراسةً ضافيةً عن الأزمة الليبية، ولذلك لم تدُرَج دراسات عن الوضع في ليبيا ضمن هذا الملف.