متابعات إفريقية، العدد الثامن والعشرون
يتناول هذا العدد الجديد من «متابعات إفريقية»، مجموعة مهمة ومتنوعة من الملفات الإفريقية، لعل أبرزها ما يتعلق بمنطقة القرن الإفريقي؛ فانتخاب رئيس جديد للصومال، وتعيين وزير أول مكلف بتشكيل الحكومة، وزيارات خارجية للرئيس، تشمل كلا من دولة الإمارات العربية المتحدة، وتركيا، وإريتريا، وكينيا، وجيبوتي ومصر، توحي بتوجهات دبلوماسية وسياسية، مختلفة عما كان سائدا في الصومال، في ظل رئاسة فرماجو، خصوصا مع
تأخير زيارته إلى أديس أبابا. هذا الى جانب عودة الاهتمام الأمريكي بالصومال. في المقابل، يظل الوضع في السودان متأزما، ودون أفق واضح للخروج من النفق الذي دخلته البلاد، منذ العام ٢٠١٩م، والإطاحة بالرئيس عمر البشير. لكن سجلت الفترة القريبة الماضية بعض التقارب، بين كل من إثيوبيا والسودان، على إثر المواجهات الجزئية التي حدثت، على مستوى منطقة الفشقة؛ تقارب جسده اللقاء بين البرهان وآبي أحمد، لكن لا تلوح بعد علامات استمرار الهدوء في هذه المنطقة الخلافية بين الطرفين. ويبدو أن الجانب الإثيوبي يعمل على اتخاذ إجراءات، قد تؤمِّن هذا الجزء من الشريط الحدودي. كما أن ملف المصالحة الإثيوبية الداخلية، لا يزال يتقدم ببطء شديد؛ فمن جهة، تسعى الحكومة الفيدرالية إلى تحقيق مصالحة مع التيغراي، ومن جهة ثانية تتوتر العلاقة بين بعض مكونات الأمهرا، وحكومة آبي أحمد. إلى جانب استمرار بعض المعارك مع جيش تحرير أورومو. وكذلك الأمر في إقليم بني شنقول قمز، الواقع شمال غربي البلاد، على الحدود مع السودان. وأمام كل هذه الخلافات والنزاعات الداخلية، يبقى السؤال المتعلق بالسبل الكفيلة بإحداث السلام والوفاق المستدام مطروحا. وهذا الأمر لا يهم إثيوبيا فقط، وإنما يهم معظم دول القرن الإفريقي، ومن بينها السودان، وجنوب السودان، والصومال، وإريتريا... ويبقى الاهتمام بالتطورات الداخلية، وطبيعة العلاقات بين المكونات الإثنية والقبلية داخل هذه المجتمعات، وتقاسم أو توزيع الموارد المادية والمعنوية فيها، محل متابعة ورصد وتحليل، باعتبار أن ذلك له تبعات، ليس على داخل هذه الدول فحسب، بل على أمن البحر الأحمر، وأمن الإقليم عموما. فالمنطقة لا تزال تستقطب اهتماما دوليا وإقليميا متجددا، وذلك بسبب أهميتها الإستراتيجية والجيوسياسية، ولكن أيضا في سياق الأزمة الحالية بين روسيا وحلفائها الدوليين، والغرب. مع الإشارة إلى أن أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، ما فتئت، منذ اندلاعها، تثير مخاوف وهواجس، لدى كل الأنظمة الحاكمة في الدول الإفريقية. هذه الأزمة التي تتسبب بها الحرب الروسية الأوكرانية، توحي بعض إرهاصاتها، بإمكانية ولادة نظام عالمي جديد، لا يمكن في المرحلة الحالية التنبؤ والحسم في شكله وملامحه. ولكن طرح السؤال حول موقع القارة الإفريقية ومكانتها، في مثل هذه المنعطفات الدولية التاريخية، أمر لا بد من التفكير فيه، والاستعداد له، مما يقتضي العودة لتحليل موقع القارة الإفريقية، وتقييم أهميتها، في ظل النظام العالمي السائد منذ نهاية الحرب الباردة، واتجاهات التنافس الدولي الحالي، على أسواق القارة السمراء، وثرواتها.