متابعات إفريقية، العدد التاسع والعشرون
شهدت إفريقيا في الأيام الماضية أحداثا مهمة عدة؛ لعل أبرزها الانتخابات التشريعية في السنغال، والرئاسية في كينيا، والاستفتاء على الدستور الجديد في تونس، علاوة على الملء الثالث لسد النهضة الإثيوبي... ولنتائج الانتخابات التشريعية في السنغال دلالات سياسية بالغة الأهمية، ليس للسنغال فقط، ولكن لمنطقة غربي إفريقيا كلها؛ وتتمثل في صعود المعارضة بصورة تعزز الانطباع الأولي، والمتمثل في تراجع نفوذ النخب السياسية التقليدية، ذات الولاء لفرنسا، وتعاظم شعبية جيل جديد من المعارضين، الذين يوصفون بذوي «التوجه الإفريقي التحرري»، والذي بدوره يعبر عن موجة «تحررية» جديدة لدى الأجيال الشابة في غربي إفريقيا، عبر اقتحام ساحة الفعل السياسي، لوجوه مدنية وعسكرية، تمثل، أو تعمل على إحداث قطيعة مع المرحلة السابقة، بما فيها من نخب وعلاقات دولية، ترمز لاستمرار نمط معين، في مجال التنمية والبناء الوطني، وتقدّر أنه فشل لمدة عقود، في تحقيق وعود الآباء المؤسسين للدولة الوطنية التنموية الحديثة. وهذا ما يجري اليوم في مالي، وغينيا، وبوركينا فاسو، وتشاد، والسنغال. وقد يحدث غدا في دول أخرى مجاورة؛ وذلك بصرف النظر عن الطريقة التي تتم بها القطيعة - سواء أكانت سياسية سلمية، أم عسكرية انقلابية - وعن المنجزات التي يمكن أن تتحقق في السنوات القليلة المقبلة.
فاز في الانتخابات الرئاسية الكينية: ويليام روتو - نائب الرئيس - على منافسه: ريلا أودينغا، المعارض المعروف، والذي دخل السباق الانتخابي مدعوما من الرئيس: أُهورو كينياتا. وينظر إلى هذا الفوز على أساس أنه انتصار لمرشح الفئات الاجتماعية الضعيفة، في مواجهة كبار العائلات السياسية، التي احتكرت الحكم في البلاد منذ استقلالها سنة ١٩٦٣م. فويليام روتو، ينحدر من عائلة ذات أصول اجتماعية متواضعة عائليا، تنتمي لقبائل الكالنجيين (وهي ثالث أكبر الإثنيات الكينية، وإليها ينتمي الرئيس السابق: أراب موي)، في حين ينحدر منافسه من أقلية: الليو (تمثل ١٢% من السكان)، والتي ينتمي إليها أيضا الرئيس: كينياتا. وهناك تحديات وملفات عدّة أمام الرئيس الجديد؛ سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي، أو الوضع الاقتصادي والأمني... كما أنه سيحكم أحد أكثر البلدان الإفريقية انتشارا للرشوة، والفساد المالي. ومع أن هذا العدد الجديد من متابعات إفريقية، لا يتضمن كل هذه الملفات التي أشرنا إليها، على أن نتطرق إليها، أو إلى بعضها مستقبلا، فإنه احتوى عددا من الأوراق المميزة، والملفات المهمة الأخرى، مثل: خلافة الرئيس: بول بيا في الكاميرون، والأزمة الكونغولية الرواندية، واضطراب سلاسل الإمداد العالمية، وانعكاساتها على الاقتصادات الإفريقية، وطبيعة الانسحاب الفرنسي من مالي وتداعياته... إلى جانب فتح ملف الرشوة في دول غربي إفريقيا. على أن نعود في العدد القادم، إلى تحليل نتائج الانتخابات التشريعية في السنغال، والرئاسية في كينيا، وغير ذلك من الموضوعات والأحداث الإفريقية المهمة.