متابعات إفريقية، العدد الثالث والثلاثون
بعد صدور ۳۳ عددًا من «متابعات إفريقية»، بصورة دورية منتظمة، ومع تزايد عدد المشاركين والمهتمّين والمتابعين؛ فقد حان الوقت للقيام بعملية تقييم لهذه المسيرة العلميَّة، لهذه الدوريَّة، التي كانت محصلة ثلاث سنوات، من عمر هذا الإصدار العربي الإفريقي، وكانت قَيِّمَة ثريّة، وعلى مستويات عدّة؛ لعل أولها، هو هذا التراكم المعرفي، الذي أنتجته وقدَّمته، عن أوضاع القارة الإفريقية، التي تشهد أحداثًا وتحولات مهمَّة.
لقد تم نشر ما يقارب ٣٠٠ ورقة بحثية، في أهم الحقول المعرفية الإفريقية؛ سواء منها السياسي، أو الاقتصادي، أو الثقافي، أو الاجتماعي، أو الأنثروبولوجي. وكان ذلك انطلاقًا من مقاربات أكاديمية متنوعة، ومتكاملة؛ مما أسهم، بصورة دقيقة وشاملة، في فهم الوقائع، والإلمام بمفرداتها وجزئياتها، ومتابعة مجريات الأحداث وتطوراتها، وتناول - بالتفسير والتحليل - مختلف الظواهر والأزمات، التي تحدث في هذه القارة الناهضة الواعدة، الباحثة عن وضع لها؛ يحرر إرادتها، ويطلق قدراتها وطاقاتها، ويسخرها لمصلحة شعوبها. ولقد وافق انطلاق هذه الدورية، في شهر مارس من عام ۲۰۲۰م، بداية انتشار جائحة كورونا (كوفيد-۱۹)، مع ما استتبع ذلك من دراسة لتداعياتها من سائر النواحي: السياسية، والصحية، والاقتصادية، واستطلاع آراء الخبراء، حول مستقبل أوضاع القارة، لمرحلة ما بعد الوباء.
والإنجاز الثاني، يتمثل في نسج شبكة علاقات متميزة، بين إدارة التحرير ببرنامج الدراسات الإفريقية، بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، بالرياض، مع المئات من الأكاديميين والخبراء في الشؤون الإفريقية، على مستوى القارة وخارجها، وذلك من أجل توثيق عرى التواصل، والتعاون المعرفي المستمر. وتبعًا لذلك - المنجز الثالث - فقد شكّلت «متابعات إفريقية» منصّة علميّة واتصاليّة، للتعريف بهذا الجمع الطيّب من الكتّاب؛ الغني بتنوّعه الأكاديمي، على مستوى القارة؛ فكان كل عدد جديد، يشكل نافذة معرفية، يلتقي من خلالها المئات، وأحيانًا الآلاف من القرّاء، مع خبراء من أبناء القارة؛ يكتبون عن مجتمعاتهم، بعيون ومعارف إفريقية.
وكان كل عدد تصاحبه، ثم تتبعه عملية تقييم دقيق، للمواد التي يتضمّنها، وكثيرًا ما يكون فرصة لمراجعات، في ضوء ملاحظات التحكيم؛ مما منح الفرصة للكثير من الباحثين الشبان، لاختبار قدراتهم، ومعارفهم التحليلية، ووضعهم وجهًا لوجه، مع كبار الخبراء من المحكمين؛ للاستفادة من خبرتهم، وأسبقيتهم العلمية. واليوم، وفي ضوء هذه التجربة، تنفتح «متابعات إفريقية» على مجالات معرفية أخرى: تاريخية، وحضارية، وأنثروبولوجية؛ تخصصات لا يمكن تخطيها في فهم واقع القارة اليوم؛ فالحاضر والمستقبل، كان قد بدأ منذ عهود مضت، واللقاء الحضاري بين الثقافة العربية، ومختلف الثقافات الإفريقية، قد تم منذ قرون؛ وهو تفاعل وتلاقح، رسم ملامح الواقع الذي نعيشه اليوم، وهي سمات باقية وراسخة، لأنها ضربت بجذورها العميقة، في بواطن علاقة تعاون وتعايش، حضاري مستدام.