متابعات إفريقية، العدد السابع والثلاثون
يخصص في هذا العدد الجديد حيّزٌ مهمٌّ للمخطوطات العربية في دول الساحل والصحراء، وهي المنطقة التي شهدت -تاريخيًّا- قيام دول إسلامية مترامية الأطراف، تحكم مجتمعات تركت نخبها العلمية تراث علميًّا ثريًّا، دُوِّن باللغة العربية، وبعض اللغات المحلية المستخدمة للحرف العربي. ومن أهم هذه الدول، التي قامت في منطقة الصحراء تذكر الدولة الفوتجلوية، والتي حكمت ما يسمى اليوم بدولة غينيا. وكان شعب هذه الدولة هم الفولاني أو «الفلاتة». وجاءت ورقة الدكتور: محمد سمب باه الشرقوي لتغوص بنا في تاريخ هذه المنطقة، وتعرف بقبائلها وشعوبها، وتراثها العربي، الذي تحتضنه اليوم دور ومكتبات خاصة وعامة، شاهدة على الجهود الضخمة المبذولة للعناية بهذا التراث، من جانب مراكز حفظ التراث المخطوط، لتجميع هذا الذاكرة العلمية الحيّة، وحمايتها ونشرها. ودورية «متابعات إفريقية»، ومن منطلق اهتمامها بالتعريف بهذا التراث العربي الإفريقي، الذي يمثّل أحد أوجه الالتقاء والتلاقح التاريخي بين الثقافتين؛ العربية والإفريقية- تنشر هذه الدراسة القيمة.
وفي سياق قريب من هذا، جاءت ورقة الدكتورة: كوثر أبو العيد، التي تناولت الرحلات الحجّيّةّ من المغرب إلى الحجاز في التاريخ الحديث، والموقف من مسألة الحجر الصحّي، الذي اكتنف تلك الرحلات، وذلك في إطار التحوّل الذي حدث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي في طريق الحج، والانتقال من الخطوط البرية إلى المسالك البحرية، وسيطرة الدول الاستعمارية الغربية على موانئ خطوط رحلات الحج هذه. ويأتي استمرار المحاولات الانقلابية في إفريقيا، والتي كانت آخر محاولة لها في نهاية شهر نوفمبر من العام الحالي ٢٠٢٣م في سيراليون، وكذلك التي حدثت في مطلع شهر ديسمبر في غينيا بيساو من هذا العام، لتطرح من جديد ضرورة تحليل أبعاد هذه الظاهرة السياسية وتداعياتها، التي تهدّد الاستقرار في أقاليم كثيرة من القارة. وفي هذا الباب جاءت ورقة الدكتور: سعيد ندا، عن الاقتصاد السياسي للصراعات السياسية عمومًا في إفريقيا، وكذلك ورقة الدكتور: هارون باه، التي بيّنت تداعيات الانقلابات على النظم السياسية، ومؤسسات الدولة وأجهزتها، وحياة المواطنين. وكذلك دور المنظمات القارية والإقليمية في مواجهة آلية الوصول إلى الحكم، عبر الانقلاب العسكري.
كما تصدّت ورقة الدكتور ميلود عامر حاج إلى الموضوع نفسه؛ ببيان العلاقة بين انعدام الاستقرار السياسي والأمني، وهشاشة الدولة من جهة، ومحدودية التنمية من جهة أخرى. وأشار إلى عجز الدولة الوظيفي في إفريقيا، والذي أعاقها عن بلوغ مقاصدها؛ ولذا فلا يمكن أن يحدث الاستقرار السياسي والأمني من دون تحقيق نسب عالية من التنمية الشاملة، والتوزيع العادل لثمارها.