محاضرة: الحياة العلمية في المدينة المنورة في القرن الحادي عشر حتى الرابع عشر

التاريخ: 2018-03-19

محاضرة عامة | | 2018-03-19

أكد باحث تاريخي أن المدينة المنورة كانت حاضرة تاريخيًّا وعلميًّا، ولم تكن -كما يظن بعض الباحثين- بمنأًى عن الحضور التاريخي العلمي، بل كانت بعيدةً كلَّ البعد عن حالات الركود الثقافي، وهو ما ظهر من خلال هجرات وانتقالات العلماء إلى المدينة المنورة التي استقطبت مئات العلماء من الأقطار والبلاد الإسلامية، فلا تكاد تجد بلدًا إلا وفي المدينة فئة منه، اتخذوها مهاجَرًا لهم، وامتزجوا بأهلها وصاهروهم، حتى امتازت أسر المدينة باختلاف الأعراق وتنوع الثقافات، إضافة إلى الاتجاهات الفكرية المختلفة التي انتشرت في المدينة خلال القرون الأربعة الأخيرة.

وقال الباحث في تاريخ المدينة المنورة د. سعيـد طولَهْ، خلال محاضرة أقامها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، بعنوان: "الحياة العلمية في المدينة المنورة في القرن الحادي عشر حتى الرابع عشر"، وذلك مساء الاثنين 2 رجب 1439هـ الموافق 19 مارس 2018م، بحضور أمين عام المركز د. سعود السرحان، وعدد من الأكاديميين والدبلوماسيين والمهتمين بالشؤون التاريخية والثقافية: إن الناظر في تاريخ المدينة وخاصة في القرون الأخيرة يجد أن تلك الهجرات من أهم العوامل المحرِّكة للحياة العلمية.

وفي بداية المحاضرة التي أدارها د. محمد التويجري، أرجع د. سعيد طوله أهم أسباب هجرات وانتقالات العلماء للمدينة المنورة، إلى ما رسخ في أذهانهم واعتقادهم في فضل المجاورة بالمدينة والموت فيها؛ اتباعًا للأحاديث النبوية الشريفة الكثيرة في هذا الباب، ولذا ليس غريبًا أن يجد الباحث أن "أهل المدينة يفضلون بلدهم هذا على جميع البلدان حتى مكة، كما هو معروف في مذهب السادة المالكية، حتى إن معظم علماء المذاهب الأخرى المجاورين في المدينة كانوا يعتقدون هذا الاعتقاد خلافًا لمذاهبهم".

وذكر المحاضِر أن من أسباب الهجرات: الاضطرابات السياسية في البلدان الإسلامية التي أدت إلى انتقال أعداد كبيرة منهم إلى المدينة. ومن أمثلة ذلك: الثورة الهندية التي قامت ضد الإنجليز في دلهي سنة 1273هـ/ 1857م وتغلَّب الإنجليز على البلاد، فهاجرت جماعات من العلماء من أشهرهم: العلامة المحدِّث عبدالغني الدهلوي ذو الشهرة الواسعة في العالم الإسلامي، الذي كان له أثر كبير في حركة العلم في المدينة، إضافة إلى احتلال الفرنسيين على البلاد المغربية والإفريقية واحتلال الروس لبلاد ما وراء النهر، وهو ما كان سببًا في خروج كثير من العلماء ومجاورتهم المدينة المنورة، من أمثال: العلامة ألفا هاشم بن أحمد الفوتي الفلاني الذي هاجر معه حوالي 10 آلاف شخص، وقيل ثلاثون ألفًا من التكارنة بعد إصدار فتاوى بوجوب الهجرة، وكذلك العلامة الطيب التنبكتي والد البروفيسور عبدالرحمن الأنصاري، وهاجرتْ في قافلتهم جماعات كبيرة من أهل بلده، وكذلك السيد محمد بن جعفر الكتاني الذي هاجر معه حوالي ألف أسرة مغربية بعد ثورة السلطان عبدالحفيظ العلوي.

ومن العوامل الأخرى التي ذكرها الباحث وساهمت في هجرات العلماء إلى المدينة: مشروع سكة حديد الحجاز الذي مُدَّ من دمشق إلى المدينة المنورة سنة 1326هـ؛ فتزايد سكان المدينة تزايدًا متسارعًا من 56 ألف نسمة حتى بلغوا في أواخر عهد العثمانيين 80 ألفًا.