متابعات إفريقية، العدد الثامن
تبدو مسائل مثل الهوية وارتباطها بالحيز الجغرافي والانقسام اللغوي وبناء الدولة الوطنية الحديثة من الإشكاليات البحثية التقليدية في العلوم الاجتماعية في مقاربة الشأن الإفريقي المعاصر. وقد تناولها باحثون وأكاديميون أفارقه أو متخصصون في الدراسات الإفريقية، لكن ذلك لا يمنع أن المشكلة ما زالت قائمة على أرض الواقع باعتبار استمرار مساهمتها في إعاقة بناء الدولة وإحلال السلام وتحقيق التنمية المستدامة. ذلك أن عواملَ عدةً تغذي هذه الظاهرة رغم ما يبدو من تراجع التأثير الاستعماري المباشر باعتباره أحد أهم الأسباب التي زادت من تعقيدات مسألة بناء الدولة، وما رافق ذلك أو سبقه من مختلف أنواع الانقسام والنزاعات الإثنية.
في العدد الثامن من متابعات إفريقية يعيد مجموعة من الأكاديميين طرحَ هذه الإشكالية من خلال دراسة واقع وسياسات الدول في التعاطي مع مسألة اللغة المعتمدة وطنيًّا في بلدان متعددة اللغات والإثنيات، وبالتالي الهويات المحلية والنظر في تطورات ذلك في السنوات الأخيرة. لم تعد المسألة مطروحة مثلما كانت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، على أثر نجاح حركات التحرر الوطني في تصفية الوجود الاستعماري، إنما ظهرت إلى جانب ذلك إشكالات أخرى باعتماد بعض الأنظمة الوطنية على إثنيات دون غيرها وتبني لغاتها وتغليب هويتها، بل نزعت بعض الإثنيات التي استولت على السلطة ودخلت مسار تحولها إلى أغلبية عددية وبالتالي فرض لغة واعتمادها لصفتها الرسمية في نزاع لا نهاية له على السلطة ومقدرات البلاد الاقتصادية. مع ما يرافق ذلك من استضعاف الأقليات الأخرى والاستهانة بموقفها في تحقيق سلام وتنمية مستدامة.
تعقيدات مختلفة في بعض البلدان الأخرى حيث اتجهت الدولة نحو اعتماد لغة المستعمر (الفرنسية أو الإنجليزية أو البرتغالية) بصفتها اللغة الرسمية وتجاهلت المجتمعات الأهلية التي ظلت في حياتها وعلاقاتها العامة تستخدم اللغات المحلية. خيارات سياسية يمكن وصفها بالبراغماتية باعتبار أن اللغة الأجنبية المعتمدة هي اللغة الإدارية والتعليمية القائمة التي لا يمكن الاستغناء عنها من أجل استمرار الإدارة المتوارثة عن المرحلة الاستعمارية، لكن مثل هذه السياسات ورغم ما يبدو من وجاهة لها إلا أنها أثارت في الكثير من الحالات المزيد من الصراعات والانقسامات المجتمعية المتعلقة بالهوية المهيمنة والهويات المهمشة والاغتراب الثقافي. كما أن إدارة التعدد اللغوي في إفريقيا ما بعد الاستعمار لم يكن ناجعًا ومثمرًا مثلما حدث في بعض البلدان الآسيوية.