متابعات إفريقية، العدد الثامن عشر
كشفت المحاولة الانقلابية الفاشلة التي أُعلن عنها صبيحة يوم ۲۱ سبتمبر عام ۲۰۲۱م، عمق الأزمة التي يمر بها مسار بناء الدولة في السودان، وهذه -في الواقع- حال دول إفريقية أخرى. إن تعثر بناء الدولة الوطنية في إفريقيا، لا يتمظهر في الانقلابات الناجحة أو الفاشلة فحسب، ولا في الحروب الأهلية التي تندلع ولا تنتهي. ولنا في أثيوبيا أوضح مثال على ذلك. ولكن تعثر بناء الدولة الوطنية يظهر أيضًا، في صعوبة إنجاز شرعيات شعبية جديدة، نابعة من انتخابات شفافة، ذات مصداقية تكفلها المؤسسات التشريعية، والمثال على ذلك في -المرحلة الراهنة- نجده في: ليبيا، والصومال، وغيرهما. إن هموم إفريقيا السياسية لا تمثل -وحدها- الملف الرئيس الذي يشد انتباه الباحثين والمتابعين للشأن الإفريقي، بل كذلك، الصعوبات الاقتصادية، وتحديات الأمن والسلام، ومشكلات التنمية المستديمة.
يتضمن هذا العدد من «متابعات إفريقية»، أوراقًا بحثية؛ تناولت بعض هذه الملفات الإفريقية. المتجلية -مثلًا- في: شبح تفكك الفيدرالية الأثيوبية، أو في استمرار التجاذبات المناطقية والقبلية في السودان. وفي ظل تعدد ما تعانيه إفريقيا عمومًا من أزمات عميقة، يحتدم التنافس الدولي على أراضيها؛ مستهدفًا ثرواتها. وفي هذا السياق، يتناول هذا العدد العلاقات الصينية الإفريقية، وطبيعة الوجود الصيني في كثير من الدول الإفريقية. مع التركيز في حالة غينيا، حيث يعمل عدد من الشركات الصينية في قطاعي: البنية التحتية، والتعدين واستغلال الموارد الطبيعية.
والصين ليست القوة الدولية الوحيدة التي تسعى إلى منافسة القوى التقليدية في إفريقيا. فروسيا تسعى جاهدة للعودة للقارة السمراء، بعد أن كانت فقدت كثيرًا من نفوذها بسقوط الاتحاد السوفييتي، الذي تهاوت بسقوطه كثير من الأنظمة الإفريقية الموالية له. واليوم، تعود روسيا ليس فقط من باب الاستثمارات، وبيع الأسلحة للحكومات في إفريقيا، ولكن أيضًا، عبر انتشار الشركات الأمنية، مثل: مجموعة «فاغنر».
وفي هذه الأثناء، تعمل تركيا (بوصفها من القوى الناشئة) على التوسع في مجالات وصعد مختلفة، مستثمرة المرجعيات الثقافية والتاريخية، التي تربطها بشعوب القارة وحكوماتها. ومع تعاظم نشاطات تركيا، في المجالات: التجارية، والبنى التحتية، أو الاتفاقيات الأمنية والعسكرية، إلا إنها تبقى بعيدة عن منافسة القوى الاستعمارية التقليدية، أو القوى الدولية الصاعدة، مثل: الصين.
وفي ظل الصعوبات الاقتصادية التي يمر بها عدد من الدول الإفريقية -لأسباب هيكلية أو ظرفية- فإن الخلافات والتجاذبات السياسية ستُفاقم أوضاعها سوءًا، أي: ستزيد من وطأة الصعوبات الاقتصادية، وبالتالي، ستفتح الباب على مصراعيه، أمام مزيد من التبعية لقوى مؤثرة خارج الحدود، عبر مؤسسات التمويل الدولية مثلًا، وبالتالي، مزيدًا من الارتهان السيادي للخارج. ولعل الورقة الخاصة بالاقتصاد التونسي، تلقي الضوء على مثل هذه الحالات.