السلاح التركي في إفريقيا: دوافع التسويق ونماذج التعاون
نظمت أنقرة القمة الثالثة للتعاون التركي الإفريقي يومي:۱۷ و۱۸ من ديسمبر عام ۲۰۲۱م، وقد عقدت القمة الأولى عام ۲۰۰۸م، ثم نظمت الثانية عام ٢٠١٤م. وتصف تركيا علاقتها بالقارة الإفريقية بأنها إستراتيجية. لكن توجه الأتراك هذا (اهتمام الأتراك بالمجال الإفريقي حديث عهد، مقارنة بالقوى الاستعمارية التقليدية) يتزامن مع عودة قوية لروسيا، واقتحام أقوى للقارة من قِبل الصين. ولعل انتظام مؤتمرات قمة روسية إفريقية، وصينية إفريقية في السنوات المنصرمة يؤكد ذلك. والتوجه السياسي والاقتصادي نحو القارة الإفريقية من قِبل عدة قوى آسيوية صاعدة، يمثل -في الحقيقة- امتدادًا للتنافس بين القوى العالمية والإقليمية على أسواق جديدة، وعلى موارد استخراج المواد الأولية المطلوبة لمختلف الصناعات، لكن الملفت في الأمر، يتمثل في كون هذه الدول الثلاث (روسيا والصين وتركيا) دخلت -أيضًا- مجال تصدير الأسلحة لدول إفريقيا، وعقدت شراكات تعاون عسكري وأمني مع عدد من الدول الإفريقية؛ مما يؤجج النزاعات الداخلية والبينية، ويثير -أحيانًا- قلق كثير من الحكومات الإفريقية، وأينما، يثير تساؤلات حول الأسباب التي تقف وراء سلوك هذه الدول.
ومن جهة أخرى، يتجه عدد من الحكومات الإفريقية نحو الاعتماد على أكبر عدد ممكن من الشركاء الدوليين والإقليميين، سواء في مجال التعاملات السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية. وهذا القرار ناتج عن وعيها أن هذه هي الطريق المُثلى للحفاظ على قدر أكبر من السيادة أو تعزيزها، وحماية القرار الوطني في عالم تزداد فيه تبعية الدول بعضها بعضًا. ذلك، أن الشروط التي تضعها الدول الغربية، والتدخل الواضح في الخيارات السياسية؛ يؤديان إلى ارتهان القرار الوطني ومزيد من التبعية. ومن الواضح أن جزءًا مهمًا من الرأي العام المحلي وشرائح اجتماعية واسعة، يزداد رفضها -يومًا بعد يوم- الأشكال التدخل الأجنبي كلها. وهذا الرفض يعبر عن مزاج شعبي عام، يعود إلى الإحساس بالإحباط من النتائج الضعيفة في مجال التنمية، رغم مرور عقود من الزمن على التعاون مع قوى دولية غربية، ولا سيما بعض تلك القوى بعينها.
إلا أن الأمر يتجاوز ذلك إلى محددات أخرى، مثل: السياقات الدولية والإقليمية الحاضرة، هذا بخصوص التعاون في المجال السياسي/الدبلوماسي. وكذلك، التسهيلات والتكلفة السوقية في حال التعاملات الاقتصادية والعسكرية، بل قد يصل الأمر إلى النجاعة والفعالية المتعلقة بشراء الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، وهذا يساق -عادةً- فيما يخص العلاقات التركية الإفريقية. فما حجم التعاون العسكري الإفريقي التركي خصوصًا في مجال بيع الأسلحة؟ وما إستراتيجية أنقرة وأدواتها لاقتحام سوق السلاح الإفريقي؟ ومن/ وماذا يستهدف الأتراك بمثل هذه المقاربة العسكرية؟
ستحاول هذه الورقة تقديم إجابات لكل هذه الأسئلة، من خلال متابعة الخطوات الدبلوماسية التركية الأخيرة باتجاه بعض الدول الإفريقية.