متابعات إفريقية، العدد الثاني والعشرون
استفتحت القارة الإفريقية السنة الميلادية الجديدة بانقلاب عسكري في بوركينا فاسو في يوم ٢٥ يناير، أدى للإطاحة بالرئيس المدني «روش مارك كريستيان كابوري» الذي وصل إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع قبل ست سنوات. تجربة انقلابية جديدة تشهدها المنطقة بعد انقلاب مالي الذي استولى بمقتضاه القائد العسكري «عاصمي غويتا» على السلطة في شهر مايو عام ۲۰۲۱م، وفي ظروف انقلابية على المؤسسات الدستورية استولى -أيضًا- «محمد إدريس ديبي» على السلطة في تشاد في شهر أبريل من السنة ذاتها. وفي شهر سبتمبر شهدت غينيا -أيضًا- انقلابًا أوصل العقيد «مامادي دومبويا» إلى السلطة. وكانت النيجر قد شهدت -أيضًا- محاولة انقلابية فاشلة في شهر مارس. هذا وتوجد بعض المؤشرات التي توحي أن بعض البلدان الإفريقية الأخرى قد تكون مرشحة لحدوث انقلابات مماثلة. وقد عمدت بعض الحكومات إلى أخذ الاحتياطات اللازمة لمنع انتقال عدوى الأحداث في البلاد المجاورة إليها. تجدر الإشارة، إلى أن هذه الانقلابات تأتي -عادةً- في سياقات موضوعية، يلتقي فيها تردي الأوضاع العامة (بما في ذلك الوضع الأمني) مع سوء أداء النخب السياسية عمومًا، علاوة على تنافس إقليمي ودولي، يصاحبه تململ في صفوف الجيش أو بعض وحدات النخبة من القوى الأمنية. إلا أن الخلفية العامة المشتركة بين الأقطار كلها تظل هي هشاشة بُنى الدولة الوطنية في إفريقيا، وعدم ثبات مؤسساتها العامة، حتى وإن هي اختارت التداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات العامة. إن تبني خيار التداول السلمي للسلطة في إفريقيا كان دائما عرضة لانتقادات جزء من النخب المدنية والعسكرية، التي تفضل «السلطة القوية» على سلطة تتمتع بشرعية شعبية لكنها ضعيفة. ومن المؤكد أن المجال السياسي في إفريقيا (مثله مثل: المجال الاقتصادي، والثقافي) يظل حلبة لصراعات متنوعة الموارد والتأثيرات والخلفيات. ومن بينها: النزاعات الفئوية التي تستثمر في الأزمات الأمنية أو السياسية والاجتماعية؛ لتحقيق أغراضها؛ مستعينة -دائما- بأطراف دولية وإقليمية؛ نتيجة الضعف البنيوي للمؤسسات السياسية الفاعلة والشرعية.
وفي هذا السياق، تتواصل أزمات سياسية مفتوحة في بعض أقطار القارة، مثل: إثيوبيا، والصومال، والسودان، وجنوب السودان، وبعض دول غربي إفريقيا. لذلك، تناول هذا العدد الجديد، هذه الملفات كلها، إلى جانب أوراق تحاول عرض ظاهرة الانقلابات في إفريقيا وتفسيرها، وهشاشة النظم السياسية وقابليتها للاختراق، والمعاناة التي تشهدها هذه الأقطار في ظل استمرار جائحة كوفيد-۱۹، ومخلفاتها على مختلف الصعد، وبخاصة التربوية والتعليمية.