متابعات إفريقية، العدد الرابع والعشرون
بعد معاناة صحية واقتصادية واجتماعية - طيلة سنتين - من آثار جائحة كوفيد-19، تواجه القارة الإفريقية والعالم، تداعيات أزمة عالمية جديدة - لا يدرك المحللون مداها وعمقها بعد - نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية. التقييمات والتقديرات الأولية، تتجه إلى حتمية تباطؤ جديد في نسب النمو الاقتصادية، ومقدمات موجة تضخمية، وارتباك يطال سلاسل الإمداد، ومسالك التجارة الدولية...
على المستوى السياسي والدبلوماسي؛ أعادت هذه الحرب إلى الأذهان مشهد الانقسام، الذي ساد القارة الإفريقية زمن الحرب الباردة، بين الدول المصطفة إلى جانب الكتلة الشرقية، بزعامة الاتحاد السوفيتي، والأطراف التي وقفت إلى جانب الغرب، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، مع وجود ما كان يعتقد أنه موقف «عدم انحياز». في حين كان - في الحقيقة - يمثل انحيازا، أطلقوا عليه، ووصفوه بـ (الإيجابي)!
اليوم تسود بعض الدول الإفريقية حالة من عدم الوضوح، في اختيار الطرف الذي يمكن الوقوف معه في هذه الأزمة؛ وهل الموقف تقوده اعتبارات سياسية دولية، أو مصالح وطنية، أو قومية آنية، أو إستراتيجية؟ موقف يفترض أن يصدر عن تقدير دقيق لآثار الحرب الجيوستراتيجية المباشرة والمستقبلية، ولكن أيضا عن قراءة متأنية لمآلات هذا النزاع الإقليمي، ذا التشابكات الدولية.
هذا الانقسام والحراك الإفريقي تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، لا يشقُّ الدول فحسب، بل النخب والرأي العام أيضا. وهذا سيزيد من التعقيدات الفكرية والسياسية والإيديولوجية، التي تعاني منها المجتمعات الإفريقية؛ فكيف نفهم - مثلا - حماسة البعض للذهاب للقتال مع هذا الطرف أو ذاك؟ وكيف ستتورط جهات سياسية، فاعلة أو نافذة في بعض البلدان الإفريقية، بقرارها إرسال مقاتلين، للمشاركة في المعارك إلى جانب الروس؟
ومهما يكن من أمر، فإنه يمكن القول: إن الأشهر المقبلة، ستشهد تعمق أزمة تراجع الأمن الغذائي في إفريقيا، وخاصة في دول الساحل والصحراء، وتوجه الحكومات نحو مصادر بديلة للتمون بالحبوب، بدلا عن روسيا وأوكرانيا، وذلك في ظل ارتفاع كبير لأسعارها، هذا أولا، وثانيا، وتبعا لذلك، وفي حال حدوث موجة مجاعات، أو تعمق كبير لحالة الفقر والعوز والبطالة - بسبب عدم تحقيق نسب نمو معتبرة - فقد تتجه الأوضاع نحو موجات جديدة من الهجرة.
إن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إفريقيا، كثيرا ما تكون نتيجتها اختلال الاستقرار السياسي والأمني، خاصة في المناطق التي تحولت إلى بؤر للإرهاب، والجريمة المنظمة، العابرة للحدود الوطنية. عدة ملفات مطروحة إذا أمام الباحثين والمراقبين، بفعل تراكم مفاعيل أزمات متتالية؛ محلية كانت أو دولية.