متابعات إفريقية، العدد الخامس والعشرون
تُهدّد القارة الإفريقية اليوم -على المستوى الاقتصادي والاجتماعي- مخاطر عدة؛ تبدو بعضها تقليدية في بعض جوانبها، وأخرى مستحدثة. وجميعها يعود إلى بنى اقتصادية متوارثة، رغم التحسن الملحوظ في العديد من القطاعات والمستويات. لكن بعض التعقيدات جاءت نتيجة تضافر التقليدي مع مجريات الأحداث الدولية، وتتمثل هذه المخاطر في التضخم، والجفاف، والنقص الفادح الذي أصاب الأمن الغذائي للملايين من سكان بعض الأقاليم؛ وهو وضع فاقمته جائحة كوفيد-١٩، ثم عمقته تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
لقد بلغ عدد الذين أصابتهم المجاعة في مطلع ٢٠٢٢م في غربي إفريقيا نحو ٢٧ مليون شخص، وقد يصل عددهم إلى ٣٨ مليونا في الأشهر المقبلة. وهذا وضع غذائي. صنفته المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، بالأسوأ منذ ١٠ سنوات. والدول الأكثر تضررا هي تشاد، ومالي، ونيجيريا، والنيجر، وبوركينافاسو. لقد تناقص إنتاج الحبوب بنسبة الثلث في بعض المناطق الساحلية. ثلاثة عوامل تضافرت مع بعضها، وهي: الجفاف، والفيضانات، والنزاعات. علاوة على ما ذكر آنفا، وهي وضعية صعبة، دفعت بالملايين من السكان إلى النزوح عن أراضيهم، والهجرة الداخلية.
وهذه الوضعية ذاتها، تُهدّد منطقة شرق إفريقيا؛ حيث اعتادت الحكومات على استيراد حوالي ٩٠٪ من احتياجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، لكن الأمر ازداد سوءا بفعل موسم جاف، مع آثار ومخلفات بقية العوامل البشرية والظرفية والطبيعية. مما جعل المجاعة تُهدّد ما لا يقل عن ٢٨ مليون ساكن. والبلدان المعنية بالأساس هي جنوب السودان، والصومال، وكينيا، وبعض الأقاليم الإثيوبية. وجميعها تشهد نزاعات وحروب وأزمات سياسية منذ سنوات، وأحيانا عقود. مما انجر عنه - في مطلع سنة ٢٠٢٢م، نزوح ما لا يقل عن ١٣ مليون شخص عن أراضيهم في إثيوبيا، والصومال، وكينيا، في حين يُهدّد ٨ ملايين ساكن في جنوب السودان نقص في الأمن الغذائي خلال الموسم القادم (مايو ويونيو).
إن مثل هذه الأوضاع، يتوقع أنها ستتفاقم في الأشهر المقبلة؛ حيث ستشهد الأسواق العالمية ارتفاعا كبيرا للكثير من المواد الغذائية، مما يزيد في تعقيد حياة الفئات والشرائح ذات الوضعية الهشة في المجتمعات الإفريقية، وبعض الدول الإفريقية سوف تشهد صعوبات اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، صعبة قد تتحول إلى أزمات عميقة، تُهدّد استقرارها؛ إن بعضها مهد بالإفلاس والعجز عن تسديد ديونها.