متابعات إفريقية، العدد الثاني والثلاثون

المحرر: د. محمد السبيطلي

لعله من بين أهم الأحداث التي شهدتها القارة الإفريقية في شهر نوفمبر، هذا العام ۲۰۲۲م، مؤتمر المناخ بشرم الشيخ (كوب ۲۷)، وتوقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية الإثيوبية (بين الحكومة الفيدرالية، وجبهة التيغراي)، في بريتوريا. يعد الحدث الأول (مؤتمر المناخ)، حدثًا ذا أبعاد دولية، وبرعاية وإشراف أممي، لكن يمكن النظر له بصفته حدثا إفريقيا، باعتبار التئامه على أرض القارة الإفريقية. كما أن إفريقيا تعد من أكثر القارات تضررا من ظاهرة تغير المناخ، وإن كانت ليست المتسبب الأول، أو الأبرز في ذلك. وفي هذا السياق، تضمن هذا العدد الجديد (۳۲) من «متابعات إفريقية» مقالتين لهذا الموضوع المهم. 
أما الحدث الثاني، والمتعلق بالتطورات التي يشهدها إقليم التيغراي بإثيوبيا، فهو حدث ذو أهمية كبيرة لإقليم القرن الإفريقي، والبحر الأحمر عموما؛ باعتبار أن هذا الاتفاق، قد يضع حدا للحرب الأهلية الإثيوبية، الدائرة رحاها منذ سنتين. ولا تكمن خطورة هذه الحرب في تداعياتها المحلية فحسب، وإنما في ارتباطها - أيضا - بأمن المنطقة بأكملها.
فوضع حد لهذه الحرب، ستكون له انعكاسات إيجابية - بصورة أو بأخرى - على التوترات الحدودية بين السودان وإثيوبيا (منطقة الفشقة)، والتي لها علاقة - قد تكون مباشرة - باستمرار الحرب في إقليم التيغراي. 
من جهة ثانية، فإن اتفاق المصالحة بين الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا، وجبهة التيغراي، قد يؤدي إلى وقف أو تخفيف التوجس الإريتري، مما يحدث على حدودها الغربية مع إثيوبيا، باعتبار أن بسط نفوذ الحكومة الفيدرالية من جديد، ووضع سلاح التيغراي تحت إشرافها، وكذلك مراقبة الحدود والمعابر والمطارات من قبلها، يُحيّد كل المخاطر التي كان النظام الإريتري يخشاها من خصم تاريخي، اعتقدت أسمرا أنها تخلصت منه، بوصول آبي أحمد إلى الحكم، وخروج نخبة جبهة التيغراي من السلطة في المركز. ومهما يكن من أمر، وبانتظار تطبيق الاتفاق، وما قد يحدث في سياق ذلك، وما قد تأتي به الأحداث من مفاجآت، في هذا الاتجاه أو ذاك، فإن هذا الاتفاق، يبقى إنجازا إيجابيا لكل الأطراف: المحلية والإقليمية، سواء بصورة عامة، أو تفصيلية. 
فالسلام الذي يمكن أن يسود المنطقة، سيعود حتمًا، بمزيد من تحقيق نسب متقدمة من التنمية، التي هي ضرورة قصوى لكل شعوب المنطقة؛ فأحد شروط التنمية ومتطلباتها، هو الاستقرار، والأمن، والتعاون بين سائر الأطراف. 
كما أن هذه الحرب - بين التيغراي والحكومة الإثيوبية الفيدرالية - جاءت في سياق توترات إقليمية وإثيوبية داخلية؛ ولعل أبرز التوترات التي تشهدها المنطقة، تلك المتعلقة بسد النهضة، والتي يشتبك فيها أهم ثلاث دول في الإقليم، وهي: مصر، والسودان، وإثيوبيا. 
لقد أثبتت حرب التيغراي، أن وضع أبي أحمد السياسي الداخلي، ونظرة العالم له، قد تغيرت بالمقارنة مع ما أثاره وصوله إلى الحكم سنة ۲۰۱۸م، من آمال داخلية، وإقليمية، ودولية، مبشرة بمرحلة سلام وتنمية جديدة، ستعيشها المنطقة. فهل حان الوقت، ليعيد آبي أحمد النظر في الكثير من سياساته الإقليمية والمحلية، لجهة طمأنة كل الأطراف، وتفهم هواجسها؟