صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل يُدشّن كتاب "رياض الشعراء في قصور الحمراء": الشِّعر شاهدٌ على التعايش الحضاري في الأندلس
برعاية صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية؛ أقيم يوم الثلاثاء ٢٢ من ذي القعدة ١٤٤٦هـ، الموافق ٢٠ مايو ٢٠٢٥م، في قصر الحمراء بمدينة غرناطة حفل تدشين كتاب "رياض الشعراء في قصور الحمراء"، من تأليف الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن ناصر المانع، الحاصل على جائزة الملك فيصل، والدكتور خوسيه ميغيل بويرتا فلتشث، عضو الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة، والذي قامت بإنتاجه ودعمه الأمانة العامة لجائزة الملك فيصل العالمية.
في كلمته خلال الحفل، عبّر سمو الأمير تركي الفيصل عن سعادته بالمشاركة في هذا الحدث الثقافي الذي يحتفي بقصر الحمراء، بوصفه أحد الرموز العالمية النادرة التي تمثل التقاء الحضارات وتفاعل الثقافات. وقال سموه: "يسعدني أن أكون معكم في هذا الصرح العالمي، ليس لجماله وعراقة تاريخه فحسب، بل لما يمثله من رمزية ثقافية جمعت بيننا نحن العرب والمسلمين وإسبانيا."
ونوّه سموه إلى أن اختيار غرناطة مكانًا لتدشين الكتاب تقديرًا للمكان الذي يشكّل قلبًا نابضًا لهذا الإرث المشترك، ومقصدًا للملايين من حول العالم. كما استعاد سموه ذكرياته الشخصية، مشيرًا إلى أن أول زيارة له لقصر الحمراء كانت قبل خمسة وستين عامًا، حيث انطبعت في ذاكرته صورة "الجنة" التي تغنّى بها العرب قديمًا وحديثًا، وخصّ بالذكر شاعر الأندلس لسان الدين ابن الخطيب، الذي كتب قائلًا:
"جادَكَ الغيْثُ إذا الغيْثُ هَمَى *** يا زَمانَ الوصْلِ بالأندَلُسِ".
وتناول الأمير تركي البُعد الثقافي العميق لقصر الحمراء، مشيرًا إلى أن قيم التسامح والتعايش التي سادت في الأندلس، وتجسدت في فنونها وشعرها وعمارتها، لا تزال تلهم العالم حتى اليوم، وأن هذه الروح هي التي دفعت المملكة وإسبانيا إلى دعم الحوار بين الأديان والثقافات، بما في ذلك تأسيس تحالف الحضارات ومركز الملك عبدالله للحوار. وقال: "قصر الحمراء ليس مجرد هيكل مادي، بل شهادة حيّة على تاريخٍ متعدد الثقافات، عاش فيه المسلمون والمسيحيون واليهود في بيئة ثرية بالإبداع والانفتاح الفكري."
ويُعَدُّ كتاب رياض الشعراء محاولة علمية لإحياء النصوص الشعرية المنقوشة على جدران قصور الحمراء، وإبراز بعدها الجمالي والثقافي. عمل المؤلفان على جمع الأشعار من مصادرها الأندلسية وربطها بمواضعها الأصلية داخل القصر، مع تحقيقها والتعليق عليها، وتحديد قائليها قدر الإمكان. ويغطي الكتاب نصوصًا من قاعات بارزة مثل: المشور، وقمارش، وقاعة البركة، وقصر الأسود، وشرفات لندراخا، إضافة إلى مبانٍ فريدة مثل: قصر الدشار، وبرج الأميرات، فضلًا عن نقوش وُجدت على شواهد قبور لملوك بني نصر في روضة الحمراء.
وقد صدر الكتاب بدعم من جائزة الملك فيصل العالمية، وبالتعاون مع إدارة الحمراء وجنة العريف، في طبعة فاخرة مصحوبة بملحق بصري، يُمكّن القارئ من مقارنة النص المنقوش بالنص المطبوع، ويتيح قراءة متكاملة تمزج بين التحليل النصي والبعد الجمالي.
واختُتم الحفل بكلمات من الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية الدكتور عبدالعزيز السبيل ومن الجهات المشاركة والداعمة، تلتها ندوة قدّم فيها المؤلفان خلفيات عملهما وملحوظاتهما على النقوش، ثم مأدبة غداء جمعت الضيوف في أجواء احتفائية احتضنها القصر الذي لا يزال حتى اليوم يحفظ صدى الشعر وأثر التاريخ.