نظرية المعرفة التاريخية عند العرب: بين التأسيس والتأصيل

رقم: 18
علي مزيان

تُعد هذه الدراسة محاولة لمقاربة نظرية المعرفة التاريخية من جهة الوقوف على ما يمكن أن يكون مدخلًا يتيح بيان أولى معالم الوعي بقضايا هذا المبحث في حقل التاريخ العربي، بعيدًا من المسالك التقليدية التي تسعى لتعريف نظرية المعرفة وأركانها وما يقيم أساسها، وتتبع تعاريف التاريخ وتطور مفهومه. بناء على أن بحث هذه القضايا لا يتفق والمنطق الإبستمولوجي لنظرية المعرفة التاريخية نفسها عند العرب. لأن نظرية المعرفة، ضمن سياق العلوم العربية والإسلامية، لم تشهد تراكمًا يسمح لها ببناء نسق معرفي متكامل يرقى لوسمه بنظرية المعرفة، فبالأحرى ضمن حقل التاريخ. لذلك سيكون التركيز بالأساس على الإرهاصات الأولى لوعي عربي بالقضايا التي تعنى بها نظرية المعرفة التاريخية. وعليه، فالدراسة تنطلق من محاولة مسح جزئي لمظان ما يمكن أن يؤسس لتلك القضايا، وهو مسح يفترض مراجعة حقول معرفية متعددة تتضمن شذرات تؤلف في مجموعها ما يعين على تأسيس أرضية مفهومية من قبيل العلم والمعرفة والمبادئ والمدارك واليقين والنظر والحس.. ضمن التداول الثقافي العربي على نحو يسعى إلى تبين أصالة قضايا نظرية المعرفة التاريخية. ولتحقيق ما تتغياه هذه الدراسة، مما ذكر آنفًا، سيكون المنطلق من مفارقة ترقى لتكون إشكالية؛ تقوم على الإقرار بوجود غزارة في التأليف التاريخي والتصنيف فيه، بحيث يلحظ وجود ركام هائل مما يدخل في مسمى المعرفة التاريخية، إما ضمن المظان التي اعتنت بالتاريخ أصالة، أو ضمن مؤلفات تصدت لغير التاريخ ولكن تضمنت ما يصلح أن يلحق بتلك المعرفة، في مقابل تقاصر واضح عن السعي لمقاربة نظرية معرفية في التاريخ، علمًا أن العرب اعتنوا بمبادئ نظرية المعرفة منذ فجر الحضارة الإسلامية وتناولوا قضاياها؛ من قبيل طبيعة المعرفة ومصادرها وقيمتها.. وهي المفارقة التي يمكن مقاربتها من خلال أسئلة أهمها:

-        كيف يمكن لبحث ثنائية العلم والمعرفة أن يكون منطلق البحث في نظرية المعرفة التاريخية؟

-        ما حدود استمداد هذه النظرية من الحقول المعرفية العربية الإسلامية؟

-        إلى أي حد يسهم بحث مبادئ المعرفة في تأصيل نسق معرفي، وأداتي لهذه النظرية؟

-         كيف يمكن أن يمد مجال مدارك العلوم، مبحث نظرية المعرفة بجهاز مفهومي يؤسس أركان هذه النظرية ويثري مباحثها؟