محاضرة: الهوية الوطنية في العراق وتحديات الهويات الفرعية

التاريخ: 2017-11-08

محاضرة عامة | | 2017-11-08

أكد الكاتب والباحث في مجال التاريخ الفكري العراقي د. رشيد الخيُّون، أن الطائفيّة تصاعدت كثيراً بعد الاجتياح الأميركي للعراق في أبريل 2003م، مبيناً أن هناك إعادة إنتاج للطَّائفية من قبل أهل السِّياسة حيث يتخذونها ذريعة وستاراً للاحتفاظ بالسلطة، وذكر أن العراق تعرض للحرب والهدم وتصفية القوات المسلحة وانهيار الدَّولة بالكامل، مشيراً إلى أن ذلك أدى انسحاب المواطنة لتخلي المكان للانتماء الطَّائفي أو العِرقي أو القبلي.

وقال الخيون، خلال إلقائه محاضرة بعنوان "الهوية الوطنية في العراق وتحديات الهويات الفرعية" في قاعة المحاضرات بمبنى مؤسسة الملك فيصل الخيرية مؤخراً بالرياض والتي نظمها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وسط حضور من المختصين بالشؤون السياسية والخبراء والأكاديميين وسفراء الدول الأجنبية والشخصيات العامة: "العراق متعدد اللغات والقوميات والأديان والمذاهب والأجناس، وخضعت أرضه لصراعات مريرة بين الامبراطوريات وأكثرها تأثيراً الصراع العثماني الصفوي الذي لا زال يؤثر في العراق حتى الآن".

وأشار إلى أن العراق انتقل من الهوية الوطنية التي تحتضن الجميع وظهرت بعد انهيار الامبراطوريات إلى الهوية الفرعية التي تمثل الدين أو العشيرة والطائفة أو المذهب، مبيناً أن المشكلة والصراعات والحروب تبدأ عندما تتصادم هذه الهويات الفرعية مع الهوية الوطنية الجامعة، وأوضح أن كل الشعوب لديهم هويات فرعية ولكن إذا تصادمت مع الهوية الكلية الوطنية، مبيناً أنه حين تغيب الهوية الوطنية يلجأ الناس للهويات الفرعية من أجل الحصول على الحماية والاعتراف، وحين يحصل التصادم بين الهويات يُكبَّل البلد.

وذكر الدكتور رشيد الخيُّون، أن العهد الملكي في العراق أسهم في بناء وطن واحد متنوع ومجتمع متعدد، ونهض بالعراق اقتصاديا وتنمويا بعد تركة عثمانية ثقيلة، حيث كان النزاع الطائفي يأخذ المنحى الحزبي الذي تداخلت فيه القوميات والمذاهب والأديان، موضحاً أن الطائفية انحسرت وظهرت العراق كوطن وهوية موحدة وكانت الصَّدارة السِّياسية بشكلها الحزبي للتَّيارين الاشتراكي والقومي مع دخول الهويات الفرعية كافة فيها عبر الحزب الشِّيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي خلال هذه الفترة، وذكر أن الصِّدامات الطَّائفية بالعراق في أغلبها المحرك الرئيس لها؛ السياسة، سواء كانت على مستوى المذاهب (سُنة- شيعة) أو على مستوى  الدِّيانات والقوميات، فالهويات الفرعية تقف وراءها في الغالب مصالح فئوية سياسية وليست اجتماعية.

وأضاف: "الهويَّة الوطنية الجامعة بحاجة إلى مثقفين وسياسيين يتعالون على الهويات الفرعية على مختلف عناوينها، في حالة تصادمها مع الهوية الكٌلية. والمجتمع العِراقي مجتمعاً معقداً، بسبب تعدد الأديان والمذاهب والأعراق والدور السلبي للجماعات والأحزاب في استغلال وتوظيف الافتراق المذهبي والدِّيني، ولا يمكن أن تحل هذه النزاعات إلا بالقبول بالهويَّة العِراقيَّة، هوية المواطنة، بينما ما يحصل الآن هو انفلات غير مسبوق بالعودة إلى الانتماءات الأُخرى. فحتى عندما دخلت المعارضة العراقية السابقة، وجلها مِن الإسلاميين الشِّيعة المرتبطين بعلاقات متينة بإيران، لم تملك مشروعاً واضحاً يملء الفراغ الذي خلفه النِّظام السَّابق، ولم تقدم مشروعَ مصالحة ضرورية في ظروف العراق قبل وبعد الاجتياح، بل ركزت على الانتقام بردة فعل مما مارسه النِّظام السَّابق".

وأعتبر الكاتب والباحث في مجال التاريخ الفكري العراقي، أن الصراع الحزبي أثر على الهويّة الوطنيّة الجامعة في العراق، مبيناً أن مصطلح الأقلية والأكثرية استخدم في العراق للتلويح بالتَّهميش والغطرسة الطَّائفية، حيث يمنح الحق للأكثرية في التصرف بالبلاد سواء أكان على المستوى الدِّيني أو القومي حسبما يروج بعض السياسيين، وشدد على أن هذا الأمر قاد العِراقَ إلى كوارث بسبب توزيع الوظائف المهمة والعمل داخل الأحزاب يتم وفق الأقلية والأكثرية الطائفية.

ولفت إلى أن العراق بحاجة إلى مصالحة وطنية ومشروع عريض وعميق في جوهره يسع العراق بالكامل وليس مصالحة بين حزبين أو جماعتين، مبيناً أن المصالحة تحل مِن خلالها كافة القضايا المتعلقة ويتم تحديد وجهة سياسة البلاد، وأكد أن ما تأسس خلال السنوات الأخيرة مِن كراهيات وتبادل عدم الثِّقة والإخلال بالهوية الوطنية لا يزول إلا بمصالحة مبنية على أسس مدروسة وقانونية، مشدداً على أن الحروب والحصار أضعف العراق وهيأه إلى ما حل به مِن تدني ثقافي وحضاري، لذا فهو بحاجة ملحة إلى تأسيس جديد، وذكر أن الحكم المدني يحتاج إلى جيش وطني وليس جيوش وميلشيات للطوائف كما هو الآن، فالطائفية تؤدي لخسارة العراق كوادر علمية وإدارية واقتصادية.