متابعات إفريقية، العدد الرابع والثلاثون
بهذا العدد، نفتتح النسخة الجديدة من (متابعات إفريقية)؛ حيث يتضمن العدد مجموعة من الدراسات المحكمة، وعددًا من التقارير، وبابًا مخصصًا لعروض الكتب. وقد تعلقت موضوعات الدراسات بالتفاعل التاريخي بين اللغة العربية وبعض لغات السواحل الغربية للبحر الأحمر، والقرن الإفريقي. لقد تمكنت اللغة العربية من احتلال مكانة مميزة بين لغات الشعوب الإسلامية في إفريقيا عامة، وشعوب سواحل البحر الأحمر الغربية بخاصة. وفي هذا السياق، فقد تناول الأستاذ الدكتور / عمر عبد الفتاح: أثر اللغة العربية في اللغة الأمهرية المنتشرة في إثيوبيا، والتي تعد أهم اللغات الإثيوبية على الإطلاق، وقد تُنووِلَ هذا الموضوع من زاويتين اثنتين: الأصل المشترك بين اللغتين، من جانب، والتفاعل التاريخي عبر التواصل والتعامل بين الناطقين باللغتين، ضمن فضاء حضاري مشترك، من جانب آخر.
وفي هذا السياق، جاءت ورقة الدكتور / محمد عبد الرحمن حسن، الذي قارب الموضوع ذاته، وهو: أثر اللغة العربية في الوضع اللغوي في إثيوبيا، من حيث التفاعل التاريخي من جانب لغات الشعوب الإثيوبية المسلمة، مع اللغة العربية وثقافتها، وخاصة في كتابة تاريخ هذه الشعوب، واعتماد الحرف العربي في كتابة اللغات المحلية. إن اعتماد الخط العربي من قبل بعض اللغات الإثيوبية، ليس بالأمر الحديث؛ إذ تبنته اللغة الحبشية، أو (اللغة الإثيوبية القديمة) مبكرًا، مع اقتراض مهم للألفاظ العربية التي استعملت في «حقول دلالية، وسياقات ثقافية واجتماعية محددة، وليست تلك الواقعة ضمن المشترك اللغوي السامي»، وهذا مضمون الدراسة التي أسهمت بها الدكتورة / هبة يسري أبو الوفاء في هذا العدد.
ومن جهة ثانية، يذهب بعض اللغويين والمؤرخين، إلى أن اللغة الصومالية إحدى اللهجات العربية المهاجرة من شبه الجزيرة العربية، إلى بعض أقاليم القرن الإفريقي، وهي المسألة التي طرحها الأستاذ الدكتور / فوزي بارو، وقد تناول أثر اللغة العربية في اللغة الصومالية من الجانب المفرداتي، والجانب الصوتي، ثم التأثير النحوي والصرفي.
والقسم المخصص للموضوعات الحديثة، تضمن ملفًا عن الاقتصاد الأخضر في إفريقيا، واحتوى مجموعة من التقارير، عن مزايا التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وتحديات التطبيق، وبعض تجاربه، مثل: حالة رواندا، ومدى استجابته للتغيرات المناخية في إفريقيا عامة، وبعض دول القرن الإفريقي بخاصة. وقد أسهم في هذا الجانب عدد من المتخصصين في الاقتصاد الإفريقي من: مصر، والسنغال، وجمهورية إفريقيا الوسطى.
وبهذا العدد، تكون أسرة برنامج الدراسات الإفريقية بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وبالتعاون مع كل الزملاء الباحثين، والمتعاونين مع دورية «متابعات إفريقية»، منذ ثلاث سنوات، قد انطلقت في مسار تجربة جديدة وثرية، تجمع بين الاستمرارية في الخط التحريري السابق، مع تبنيها لمحور وأساس جديد، وهو: التفاعل الحضاري بين الثقافة التاريخية العربية، ومختلف الثقافات الإفريقية، بوصْفه أحد أهم مظاهر التعارف والتعاون، بين شعوب الإقليم العربي الإفريقي.