المغرب العربي بين استحقاقات التحول الديمقراطي ومواجهة الإرهاب، حصيلة ٢٠١٥ وآفاق ٢٠١٦م
الباحث : محمد السبيطلي، باحث رئيس لدى وحدة دراسات المغرب العربي في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
تحاول هذه الدراسة ضمن نطاق زمني معين إلقاء الضوء على الأحداث التي يمر بها المغرب العربي، بأقطاره الخمسة تونس والجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا، في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فمن تونس،مهد ما سُمِّي بالربيع العربي، تستهل الدراسة الحديث عن الأوضاع الحزبية، وما أصابها من تغيُّرات، وما كان من الرئيس السابق المنصف المرزوقي بإعلانه تأسيس حزب جديد عوضاً عن حزبه السابق، ثم ما أعلنته حركة النهضة عن التحول إلى حزب مدني، وأثر ذلك على الحياة السياسية وتشكيل خريطة التحالفات الحزبية في تونس ثم تعرج الدراسة على المغرب؛ لتُقَدِّمَ لمحات سريعة عن الأحزاب العاملة في الساحة السياسية المغربية، والتحالفات التي تلوح في الأفق السياسي، ومحاولات «السلفيين» التجمع في كيان جديد بعد ذلك تتناول الدراسة الأوضاع في ليبيا، وما جرى فيها من أحداث، وتنازع العناصر الرئيسة المسيطرة على المشهد السياسي الليبي أما الجزائر، فقد تمثَّل التغيير الأبرز فيها في عزل كبار القادة التاريخيين لجهاز المخابرات، وهو ما عدَّهُ المراقبون تحريراً للحياة السياسية من قبضة الجيش، إضافة إلى حدوث انقلاب في بعض التحالفات الحزبية وأما موريتانيا فقد ظلت الأوضاع الأمنية فيها مُسيطراً عليها، على الرغم من القطيعة شبه التامة بين السلطة والمعارضة؛ وهو ما أوجد حالة من الجمود السياسي في هذا القطر
من السياسة إلى الاقتصاد تُلقي الدراسة الضوء على الأوضاع الاقتصادية في المغرب العربي؛ فتبدأ بالحالة الاقتصادية في المملكة المغربية، وما حققته من نمو معتدل، ثم ما تعرَّض له هذا النمو من تراجع لأسباب مناخية وتدنِّي مشاركة القطاع الزراعي في الناتج الإجمالي وأما تونس فالاقتصاد فيها رهين بعوامل متعددة؛ منها ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، ولاسيما الجامعيين منهم، وعدم قدرة الحكومة على توفير الوظائف المناسبة؛إضافة إلى تراجع عائدات قطاع السياحة، واستمرار الإضرابات من الطوائف العمالية والمهنية، ما تسبب في عدم وجود مناخ آمن للاستثمار وأما الجزائر، فإن النقص الحادث في الاحتياطي النقدي العام بسبب انخفاض أسعار النفط انسحب أثره على ميزان المدفوعات، وسبَّب عجزاً في الميزانية العامة للدولة، كما أن الأداء الضعيف للقطاع الخاص ألقى معظم العبء على القطاع العام ومن الجزائر إلى موريتانيا؛ يعيش هذا القطر العربي حالة اقتصادية مستقرة نوعاً ما؛ لكنها ضعيفة البنية، كما أن وجود ٣٠٪ من السكان تحت خط الفقر، وانخفاض الأسعار العالمية للحديد السلعة التصديرية الرئيسة هناك ، واعتماد الدولة على الدعم الأجنبي، جميعها عوامل تجعل بنية الاقتصاد الموريتاني هشة وضعيفة
أما الأوضاع الأمنية في أقطار المغرب العربي فتختلف – صعوداً وهبوطاً – باختلاف التحديات التي يواجهها كل قطر؛ فليبيا تعاني من تمدد تنظيم الدولة الإسلامية، وانتشار السلاح في أيدي المليشيات، إضافة إلى وجود «جيشين وطنيين»؛ وقد ألقى ذلك كله ظلاله على الأوضاع السياسية في البلاد وفي تونس أدى عجز الحكومات المتعاقبة عن مواجهة التحديات الأمنية إلى انتشار الخلايا المسلحة، وارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية التي انعكس أثرها على مجالات الحياة كافة أما الجزائر، فقوات الجيش تحاول جاهدة التصدي لتفكيك الخلايا الإرهابية، وقد تنجح أحياناً، وتخفق أخرى؛ لكن، تظل المخاطر التي تواجهها الجزائر أقل مما تواجهه تونس على سبيل المثال وأما المغرب، فقد نجح في تفكيك العشرات من الخلايا التي تستعد للتحرك في أراضيه، وسجلت حربه الاستباقية ضد الجماعات المسلحة نجاحاً ملموساً؛ ومع ذلك يظل المغرب في بؤرة التهديدات الإرهابية، وإن كانت بدرجة أقل خطورة
ما سبق إجماله من عوامل تمس المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، والتحديات التي تفرضها مواجهة الإرهاب، يُوْجِبُ على أقطار المغرب العربي السعي إلى إيجاد حلول سريعة وحاسمة لتجاوز التعقيدات التي فرضتها العوامل التي أشرنا إليها جميعها